سورة النحل - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النحل)


        


{وَمِن ثمرات النخيل والأعناب} متعلق بمحذوف أي ونسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب أي من عصيرهما، وقوله: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا} استئناف لبيان الإِسقاء أو ب {تَتَّخِذُونَ}، ومنه تكرير للظرف تأكيداً أو خبر لمحذوف صفته {تَتَّخِذُونَ}، أي ومن ثمرات النخيل والأعناب ثمر تتخذون منه، وتذكير الضمير على الوجهين الأولين لأنه للمضاف المحذوف الذي هو العصير، أو لأن ال {ثمرات} بمعنى الثمر وال {سكر} مصدر سمي به الخمر. {وَرِزْقًا حَسَنًا} كالتمر والزبيب والدبس والخل، والآية إن كانت سابقة على تحريم الخمر فدالة على كراهتها وإلا فجامعة بين العتاب والمنة. وقيل ال {سكر} النبيذ وقيل الطعم قال:
جَعَلْتُ أَعْرَاضَ الكِرَامِ سُكْراً ***
أي تنقلت بأعراضهم. وقيل ما يسد الجوع من السكر فيكون الرزق ما يحصل من أثمانه. {إِنَّ فِي ذلك لآيَةً لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} يستعملون عقولهم بالنظر والتأمل في الآيات.
{وأوحى رَبُّكَ إلى النحل} ألهمها وقذف في قلوبها، وقرئ: {إلى النحل} بفتحتين. {أَنِ اتخذي} بأن اتخذي ويجوز أن تكون {أن} مفسرة لأن في الإيحاء معنى القول، وتأنيث الضمير على المعنى فإن النحل مذكر. {مِنَ الجبال بُيُوتًا وَمِنَ الشجر وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} ذكر بحرف التبعيض لأنها لا تبني في كل جبل وكل شجر وكل ما يعرش من كرم أو سقف، ولا في كل مكان منها وإنما سمي ما تبنيه لتتعسل فيه بيتاً تشبيهاً ببناء الإنسان، لما فيه من حسن الصنعة وصحة القسمة التي لا يقوى عليها أحذق المهندسين إلا بآلات وأنظار دقيقة، ولعل ذكره للتنبيه على ذلك وقرئ: {بُيُوتًا} بكسر الباء، وقرأ ابن عامر وأبو بكر {يَعْرُِشُونَ} بضم الراء.
{ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثمرات} من كل ثمرة تشتهينها مرها وحلوها. {فاسلكي} ما أكلت. {سُبُلَ رَبّكِ} في مسالكه التي يحيل فيها بقدرته النور المر عسلاً من أجوافك، أو {فاسلكي} الطرق التي ألهمك في عمل العسل، أو فاسلكي راجعة إلى بيوتك {سُبُلَ رَبّكِ} لا تتوعر عليك. ولا تلتبس. {ذُلُلاً} جمع ذلول وهي حال من السبل، أي مذللة ذللها الله تعالى وسهلها لك، أو من الضمير في أسلكي أي وأنت ذلل منقادة لما أمرت به. {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا} كأنه عدل به عن خطاب النحل إلى خطاب الناس، لأنه محل الإِنعام عليهم والمقصود من خلق النحل وإلهامه لأجلهم. {شَرَابٌ} يعني العسل لأنه مما يشرب، واحتج به من زعم أن النحل تأكل الأزهار والأوراق العطرة فتستحيل في بطنها عسلاً، ثم تقئ ادخاراً للشتاء، ومن زعم أنها تلتقط بأفواهها أجزاء طلية حلوة صغيرة متفرقة على الأوراق والأزهار، وتضعها في بيوتها ادخاراً فإذا اجتمع في بيوتها شيء كثير منها كان العسل فسر البطون بالأفواه.
{مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} أبيض وأصفر وأحمر وأسود بحسب اختلاف سن النحل والفصل. {فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ} إما بنفسه كما في الأمراض البلغمية، أو مع غيره كما في سائر الأمراض، إذ قلما يكون معجون إلا والعسل جزء منه، مع أن التنكير فيه مشعر بالتبعيض، ويجوز أن يكون للتعظيم. وعن قتادة أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخي يشتكي بطنه فقال: «اسقه العسل» فذهب ثم رجع فقال: قد سقيته فما نفع فقال: «اذهب واسقه عسلاً فقد صدق الله وكذب بطن أخيك» فسقاه فشفاه الله تعالى فبرأ فكأنما أنشط من عقال. وقيل الضمير للقرآن أو لما بين الله من أحوال النحل. {إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فإن من تدبر اختصاص النحل بتلك العلوم الدقيقة والأفعال العجيبة حق التدبر علم قطعاً أنه لا بد له من خالق قادر حكيم يلهمها ذلك ويحملها عليه.
{والله خَلَقَكُمْ ثُمَّ يتوفاكم} بآجال مختلفة. {وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ} يعاد. {إلى أَرْذَلِ العمر} أخسه يعني الهرم الذي يشابه الطفولية في نقصان القوة والعقل. وقيل هو خمس وتسعون سنة وقيل خمس وسبعون. {لِكَيْلاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} ليصير إلى حالة شبيهة بحالة الطفولية في النسيان وسوء الفهم. {إِنَّ الله عَلِيمٌ} بمقادير أعماركم. {قَدِيرٌ} يميت الشاب النشيط ويبقى الهرم الفاني، وفيه تنبيه على أن تفاوت آجال الناس ليس إلا بتقدير قادر حكيم، ركب أبنيتهم وعدَّل أمزجتهم على قدر معلوم، ولو كان ذلك مقتضى الطبائع لم يبلغ التفاوت هذا المبلغ.


{والله فَضَّلَ بَعْضَكُمْ على بَعْضٍ فِي الرزق} فمنكم غني ومنكم فقير، ومنكم موال يتولون رزقهم ورزق غيرهم ومنكم مماليك حالهم على خلاف ذلك. {فَمَا الذين فُضِّلُواْ بِرَآدّي رِزْقِهِمْ} بمعطي رزقهم. {على مَا مَلَكَتْ أيمانهم} على مماليكهم فإنما يردون عليهم رزقهم الذي جعله الله في أيديهم. {فَهُمْ فِيهِ سَوَآء} فالموالي والمماليك سواء في أن الله رزقهم، فالجملة لازمة للجملة المنفية أو مقررة لها، ويجوز أن تكون واقعة موقع الجواب كأنه قيل: فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فيستووا في الرزق، على أنه رد وإنكار على المشركين فإنهم يشركون بالله بعض مخلوقاته في الألوهية ولا يرضون أن يشاركهم عبيدهم. فيما أنعم الله عليهم فيساورهم فيه. {أَفَبِنِعْمَةِ الله يَجْحَدُونَ} حيث يتخذون له شركاء، فإنه يقتضي أن يضاف إليهم بعض ما أنعم الله عليهم ويجحدوا أنه من عند الله، أو حيث أنكروا أمثال هذه الحجج بعدما أنعم الله عليهم بإيضاحهم، والباء لتضمن الجحود معنى الكفر. وقرأ أبو بكر {تجحدون} بالتاء لقوله: {خَلَقَكُمْ} و{فَضَّلَ بَعْضَكُمْ}.


{والله جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} أي من جنسكم لتأنسوا بها ولتكون أولادكم مثلكم. وقيل هو خلق حواء من آدم. {وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أزواجكم بَنِينَ وَحَفَدَةً} وأولاد أولاد أو بنات، فإن الحافد هو المسرع في الخدمة والبنات يخدمن في البيوت أتم خدمة. وقيل هم الأختان على البنات. وقيل الربائب ويجوز أن يراد بها البنون أنفسهم والعطف لتغاير الوصفين. {وَرَزَقَكُم مّنَ الطيبات} من اللذائذ أو الحلالات و{مِنْ} للتبعيض فإن المرزوق في الدنيا أنموذج منها. {أفبالباطل يُؤْمِنُونَ} وهو أن الأصنام تنفعهم، أو أن من الطيبات ما يحرم كالبحائر والسوائب. {وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} حيث أضافوا نعمه إلى الأصنام، أو حرموا ما أحل الله لهم، وتقديم الصلة على الفعل إما للاهتمام أو لإِيهام التخصيص مبالغة، أو للمحافظة على الفواصل.

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14